أخبار المسرحالمسرح العربي

عودة المسرح السعودي بين الحلم والواقع

يتحدث البقمي عبر "اندبندنت عربية" "لدينا دعم مالي جيد، لكنه غير منظم، ولا يستثمر في خلق استمرارية"

 

ملخص

ملخص: يرى المخرج نايف البقمي أن من أبرز التحديات التي تعوق نمو الحركة المسرحية في السعودية ضعف البنية التحتية وغياب التنظيم المؤسسي للفرق المسرحية. 

في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها السعودية، يعود المسرح إلى الواجهة بوصفه أحد أبرز أوجه التعبير الثقافي الساعي إلى استعادة مكانته. غير أن المخرج المسرحي السعودي نايف البقمي يؤكد في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أن هذه العودة لا يمكن اختزالها في الدعم المادي وحده، بل تستلزم وعياً عميقاً، واستدامة، وتنظيماً مؤسسياً طويل الأمد.

وأشار البقمي إلى ما وصفه بـ”المفارقة اللافتة” التي يعيشها المسرح السعودي اليوم، إذ يقابل الدعم المؤسسي والمالي الكبير تراجع في القيمة الفنية لكثير من العروض المسرحية مقارنة بأعمال سابقة أنتجت بإمكانات محدودة، لكنها حملت رؤى إبداعية ناضجة وتجريباً فنياً صادقاً.

دعم موسمي وتنظيم غائب

يرى المخرج نايف البقمي أن من أبرز التحديات التي تعوق نمو الحركة المسرحية في السعودية ضعف البنية التحتية وغياب التنظيم المؤسسي للفرق المسرحية. ويقول في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، “لا يمكن بناء مشهد مسرحي متماسك من دون قاعات مؤهلة، ولا فرق تعمل على مدى العام، إذ إن كثيراً من الفرق تتشكل فقط للمشاركة في مهرجانات تحظى فيها بدعم موقت، ثم تتلاشى بانتهائها، وهذا النمط لا يصنع مسرحاً حقيقياً”، ويضيف “لدينا دعم مالي جيد، لكنه غير منظم، ولا يستثمر في خلق استمرارية. ما نحتاج إليه هو هيكل تنظيمي واضح للفرق، وتوزيع عادل للموارد يتناسب مع حاجات كل منطقة لضمان استدامة العمل المسرحي على المدى الطويل”.

فرق ثابتة ومعايير جديدة

يقترح المخرج نايف البقمي تأسيس فرق مسرحية ثابتة تحظى بدعم سنوي من هيئة المسرح والفنون الأدائية، لتقديم عروض منتظمة على مدى العام، على أن ينتقي من بينها الأفضل للمشاركة في مهرجان الرياض للمسرح. ويؤكد أن الموسمية تضعف حضور المسرح، وتفكك علاقته بالجمهور، مضيفاً “حين يقتصر النشاط المسرحي على فترات محددة، يفقد جمهوره ويغيب عن المشهد الثقافي”.

المسرح ليس بعدد الحضور

ويشدد البقمي على أهمية إعادة تعريف معايير النجاح المسرحي، قائلاً “لا يمكن قياس نجاح العرض بعدد المقاعد المشغولة. الجمهور اليوم متنوع، ومن يبحث عن المسرح يأتي إليه لأنه يحبه، لذا فإن الأهم هو تقديم تجربة فنية تليق بهذا الجمهور، حتى وإن كان محدوداً”، ويضيف أن المسرح الجاد يواجه تحديات في الحضور الجماهيري، نتيجة التحولات التكنولوجية وتسارع وتيرة الحياة، خصوصاً في المدن الكبرى.

من دون تعليم لا يوجد مسرح

يولي المخرج نايف البقمي أهمية كبرى للجانب التعليمي في بناء مشهد مسرحي متين، مشدداً على أن “المسرح لا يمكن أن ينمو من خلال الورش القصيرة فحسب، بل نحن في حاجة إلى أكاديميات متخصصة وبرامج تدريبية طويلة الأمد تؤسس للمعرفة من الجذور”. ويثني على جهود وزارة الثقافة في خططها الرامية إلى إنشاء أكاديمية للفنون، إلا أنه يطالب بمزيد من البرامج الممتدة التي تتيح التعمق الحقيقي في مجالات التمثيل والإخراج والكتابة المسرحية.

هوية المسرح السعودي… تعددية لا تعني الضعف

وعن سؤال الهوية، يجيب البقمي بثقة “لا يمكن الحديث عن هوية واحدة للمسرح السعودي، فالمشهد متنوع بطبيعته. المسرح في الأحساء يختلف عن الرياض أو الطائف وغيرها، وهذه التعددية ليست ضعفاً، بل انعكاس طبيعي لتنوع المجتمع السعودي واختلاف بيئاته الثقافية”.

البنية التحتية الغائبة

يبدي المخرج نايف البقمي قلقه من غياب المقار المسرحية الدائمة، قائلاً لـ”اندبندنت عربية”، “لدينا مخرجون وكتاب وممثلون، لكن أين يجرون تدريباتهم؟ وأين يعرضون أعمالهم؟ من المفترض أن تكون هناك فرق مسرحية دائمة تمتلك مقار مجهزة، حتى لو كانت صغيرة، تستخدم للتدريب والعروض والورش”.

ويقترح البقمي دعم ما لا يقل عن 20 فرقة مسرحية ثابتة بمبلغ مليون ريال سنوياً لكل فرقة، لتقديم عروض منتظمة على مدى العام، على أن تختار أفضل 10 عروض للتنافس ضمن مهرجان الرياض للمسرح. ويؤكد أهمية أن تكون هذه العروض مدفوعة وليست مجانية، “لأن ذلك يفرز الجمهور المهتم فعلاً، ويعزز من قيمة العروض، ويجب تنفيذ ذلك بالتعاون مع الفرق المسرحية المحلية لتصبح جزءاً من الحياة الثقافية في كل منطقة”.

غياب النقد المسرحي

ومن أبرز الملاحظات التي يثيرها البقمي، الغياب شبه الكامل للنقد المسرحي المتخصص، قائلاً “لم يعد أحد يتقبل النقد، بل بات يراد له أن يكون مجاملة، وهذا أمر مؤسف. النقد البناء كان أساس تطور المسرح سابقاً، أما اليوم فقد غاب عن المنصات المتخصصة، وبات يقتصر على تعليقات وسائل التواصل”. ويدعو البقمي الصحافة الثقافية إلى استعادة دورها في تقييم وتغطية الحركة المسرحية بعمق وموضوعية.

ويختم حديثه بتأكيد أن “المسرح ليس غائباً، بل هو موجود، لكنه في حاجة إلى تنظيم واستدامة وخطة واضحة تخلق جمهوراً حقيقياً، وتقدم محتوى يستحق المتابعة”، مضيفاً “المسرح ليس منصة للظهور والشهرة، بل هو رحلة وعي وشغف”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!