مقالات

مسرحية الجدار بقلم الدكتور جبار حسين صبري

الجدار ح١

   إن عيني التي مسها اخيرا ذلك العمى المؤقت باتت تنظر كثيرا في ثقب الجدار الوهمي، تنظر الى نفسي من داخل نفسي لعل ذلك يرفع عنها صدفة ما نزلت به من وهم اجوف: الوهم الذي تركها فريسة لوحل تلطخ بها فأصبحت مريضة حد القرف..

 

جدار: الجدران السبعة

   اذا قلنا: ان العنوان سجن النص، انما نؤكد من وراء تلك المقولة أننا ازاء موجه متعال علينا لكنه ايضا يعمل على تقييد واستلاب وجودنا وارادتنا بل وتركنا نسير ضمن خطوط ارادته وموجهاته في العيش والمصير. وقد لاحظنا ان عنونة الجدار للعرض المسرحي المؤطر بذات العنوان قد الزمتنا الحضور في الجدران الآتية:

– ثلاثة جدران وضعت شاخصة على خشبة المسرح: بيئة الضحايا.

– ثلاثة جدران موضوعة بالضرورة في قاعة تواجد الجمهور: بيئة الشهود.

– جدار وهمي يفصل بين الشهود/ المتلقين وبين وقائع الاحداث/ الضحايا.  

  نتبين ابتداء من هذا التقسيم الجغرافي للعرض المسرحي الجدار:

  • ان بيئة العرض الافتراضية متشابهة مع بيئة الجمهور الواقعية.
  • ان التقابل بين البيئتين انما هو تقابل مرايا تعمل على انعكاس صورة الشهود بالضحايا والضحايا بالشهود.
  • لا مفر للضحايا والشهود من مصيرهم وسجنهم ازاء ما تعرضوا اليه في واقعهم اذ يتماهى الطرفان بالواقع العيني المباشر والواقع العيني الافتراضي غير المباشر: يتماهى ما يقع على خشبة العرض المسرحي مع ما يقع فعلا في الواقع المباشر للشهود.
  • الغاء نتيجة التطهير التي من المفترض ان تقع على الشهود/ الجمهور بوصفهم المباشر كمتلقين للعرض واتهامهم بل جرهم ان يكونوا ضحايا يعرضون مشكلاتهم من خلال عرض مشكلات الضحايا فوق الخشبة.
  • النظر الى جدران الضحايا هناك متساوق مع النظر الى جدران الشهود هنا. اذ يعبر القطع الثلاثي للجدران للممثلين هناك عن القطع الثلاثي للجدران للجمهور هنا: جدران من الخلف واليمين واليسار لكلا الطرفين على حد سواء.
  • تحول الجدار الرابع وهو المسمى بالجدار الوهمي الى الجدار/ الباب الذي يطل منه الافتراضي على الواقعي. يطل منه الجمهور على الممثلين كما يطل الشاهد على الضحية والضحية على الشاهد بتزامن ملحوظ وقع عليهم في آن واحد بضرورة البيئة وتقابلها وبضرورة وقائع العرض المسرحي المعنون بالجدار.
  • تشكل جدران الخشبة المسرحية/ بيئة العرض مفهوما خاصا لما يقع في المجتمع بينما تشكل جدران القاعة/ بيئة الجمهور مفهوما عامة لما يقع في المجتمع.
  • تداخل الخاص بما يفترض على الخشبة بما هو عام بما يقع اصلا في القاعة.
  • الحالة المتوافرة لكل شخصية من شخوص العرض المسرحي تعكس المبدأ العام للجريمة في المجتمع وتعكس التحول الى انساق الظاهرة العامة. اي التحول من الحالة الفردية الى الظاهرة الجمعية. وهذا ما بدى انه يرعب بعض الحاضرين او شطح بعض الآراء المناهضة للعرض من حيث مناهضة رسالة العرض.

   كل ما يحدث في سجون تلك الجدران انما يحدث في نفسي: هذا انا اتعرى امامكم لنرى معا صورتنا في المشهدين المتزامنين: مشهد كوني ضحية ومشهد كوني اتفرج شاهدا مرغما على ضحيتي من نفسي. انظروا الي من ثقوب تلك الجدران والتي تشبه الى حد ما ابواب مغلقة ولا مغلقة اطل منها واختفي فيها الا انني لا اغادرها ابدا بل لا اغادر جدراني السبعة في نفسي وفيكم ابدا.

  ما يحدث لا دليل له الا دليل ذاتي اذ لا وجود له في العوالم المكشوفة في اجهزة وادوات الكشف والتواصل لكن المشهد الضبابي المخيف الذي ارعب نفسي تحدث عن نفسه بمفارقة واضحة: انه مأساوي ومضحك. انه بشع وجميل ايضا. ان حاضر ومختف ايضا. انه يميتني بقدر ما يحيني ايضا. انه انا وانتم في العالم المتوحش والمسالم.

  في الجدار وبين مكوناته وسجنه تحدث فينا وعلينا تلك الامور التي نعتقد انها سرية جدا من جهة، وانها تمس القاع الوجداني الذي اذا انكشف سره تهدم بنا وتحول الى مقبرتنا الساكتة والمفضوحة من جهة ثانية. بل انه يتداعى فيه المجتمع وتسقط جدرانه القيمية اذا ما انكشف ذلك السر فينا. وهذا الوسط الضبابي الموحش انما هو ظلمة تجر النفس الى انيابها الساكتة مثلما تجرها الى انيابها المفضوحة. انه مشهد ضبابي لا خارطة له ولا عنوان ولكنه متواجد وحاضر بقوة في قيعان نفسي التي تحوطت بها كل تلك الجدران.

  في الجدار وعلى الجدار ثمة شاهد يعنون نفسه بالمؤلف او المخرج يوجه حضورنا اليه وقراءتنا فيه من خلال ذلك التايتل/ السبورة العليا الذي قدمت لنا مدونة مفادها:

– الصورة التي تشاهدونها وهي قد وقعت عليكم غير واضحة.

– انها نزعة صوفية ربما لنفس ضالة لا اكثر.

– لا وجود لها ربما على موقع ما او سجل او دفتر ما في تاريخ هذه النفس او هذا المجتمع او هذه الوقائع المفترضة هنا على خشبة المسرح والتي تحدث الان.

– ربما هذا الذي نحن فيه مجرد حلم: الحلم الذي تمثل لنا بطقس مرعب، ولما ادركنا حلمنا فيه تبين لنا انه الواقع لا اكثر.

في الجدار موجه موسيقي عبر آلة البيانو الغرض منه يدعو الجميع على طاولة التأمل ليرى ما يجري فيه وما يجري عليه وان اكثر ما يشد الاحداث الى المبالغة بظلمها وظلامها الكائن الانثوي فيها. ان النساء اشد عرضة الى تلك الصورة المأساوية والمنكسرة مثل نصل غريق في بحر اجتماعي مجنون في اضطرابه..

  نحن الجدار والجدار نحن: ليس في ذلك شك. وان لوحتنا التي تتمظهر في العرض المسرحي المعنون بالجدار انما هي نحن: في مدار نفسي واجتماعي وفي مدار خطاب الدولة الذي يحرك الجدار ذات اليمين وذات الشمال مع ان لا مفر للهروب منه بدالة جدار الخلف، اذ يحركه ابدا بدرجة كالحة من الاستلاب والقهر والمجهول..

في الجدار ايضا لا ضرورة لصدق ما يحدث ولا ضرورة لدالة مكان ما او اشخاص بعينهم. الامور تحدث من غير عنوانات صغيرة واضحة ومعلومة بل كل شيء يتأطر ضمن حالة ما لكابوس ما يفضحنا من جهة. ويعري المسكوت عنه لما يحدث من حالات في المجتمع الراضخ من جهة ثانية. بل كل ما يكون عليه العرض انما تقديم تلك الجدران التي تشكل منها منظر النفس والمجتمع والدولة على حد سواء قد يكون مبالغا فيه الا انه المرض الاخطر لحرية وكرامة الانسان عبر تاريخه ووجوده.

   نحن نغرق بينما الجدار الذي نحن من صنعناه ونحن من سميناه ونحن من جعلنا انفسنا مكوناته التي شمخت به يضحك علينا: انه صخرتنا من الداخل بكل ما تعنيه من ألم ممض وهو صخرة نفسه التي لا تتوقف عن الضحك علينا بملء فمه وملء انيابه.

   لا بدء، اذ كل بدء في هذا العالم هو الجدار. ان تصوراتي عن نفسي وعن مجتمعي وعن خطاب دولتي انما هي جدراني السبعة في فضاءات عيشي وحيواتي التي امارسها بالنظر اليها من ثقوب جدراني التي اراها سماواتي وهي سجني. انني اصنعها لنفسي واتعذب بها لنفسي واريدها ان تكون الحلم والطقس والصورة الاخيرة لمنتهى قولي ووجودي

 

الجدار ح ٢

ثمة صوت لا اعرفه. لم يكن من صدري. شأن ذلك الصوت اعلى من شأني. انه ادراك قوة كبرى تنازل ادراك طفلة ضعفي الصغرى. انه يفرض علي قواعد حياة لا أريدها. هي تدميري بينما هي بالنسبة له ديمومة قوة..

ان فكرته المريضة سلطة علي. وهي سلطة قهري..

ح ٢

الجدار: الخطاب الكولونياني

في كل مرة يصاب بها الناس بالجنون والقرف يكون المحرك لذلك الجنون هو الخطاب الكولونياني: الفكرة العليا والتي يتمغنط حولها سلوك الناس جميعا. القوة المؤثرة التي لا ملمس لها ولكنها توجه وتدير كل موجود وعلى وفق قواعد لعبتها. تحول المذكر إلى مؤنث والهامش إلى مركز وتصيب الوجود بالذعر والخوف مثلما تمنحه غفلة بالراحة والسلام. هي تحرك العافية الاجتماعية وهي من تدع المجتمع فريسة امراض واوهام مدمرة. انها ارادة فوق كل ارادة وهي لا مرئي يدير ويتصرف بكل مرئي في هذا الوجود.

هذا الخطاب يتعاقب مرة ويتسلسل مرة. انه يقلب الصورة: صورتنا في هذا العالم من نوع إلى نوع ومن شكل إلى شكل. يفرض عليها الاطار الذي يحبسها فيه ويرفع عنها الاطار بعنوان حريتها. لكن الأنكى من ذلك كله انه يزرع التصور النهائي للحياة في رؤسنا حتى نخلص منه إلى عقيدة راسخة فبالوقت الذي كان خطاب الكوكب ذكوريا بامتياز اذ يجعل المركز واجهة وحضورا وتأثيرا وادارة وجود يجعل مرة ثانية ذلك الهامش الضعيف وجهة وحضورا ومركزا لإدارة هذا الوجود.

كل ما يكون من خطاب عام انما يكون بارادة سياسية بحتة. ومسرحية الجدار تشكل موقفا سياسيا ازاء ذلك الخطاب الكولونياني.

انظر:

اولا: افتتاح سياسي:

(المخرج يستعرض ثقل ووحشية الخطاب الكولونيالي) من حيث:

* تصنيف العالم على شكل: مدن عالم اول و.. ومدن عالم ثالث.

* قمع وتدمير مدن عالم الثالث: امراض، حروب. فرض خطاب تدميري.

* تشخيص ذلك الخطاب التدميري لكن لا منجى منه ولا مهرب.

* قبل ان يكون العرض المسرحي كان الخطاب العالمي. قبل ان يكون المجتمع وتكون الدولة كان الخطاب. وهذا فرض سياسي صرف على كل مجتمع ودولة وانعكاسه على العرض المسرحي.

* احتجاج ومناهضة الخطاب بصوت مباشر وإذاعة ذلك عن طريق المخرج يقابله صوت غنائي اوبرالي يقمع ذلك الاحتجاج ويقوضه بل يطمسه.

* الموقف السياسي المعارض عن طريق المخرج ابتداء يقابله صوت إعلامي كابح لكل معارضة عن طريق الغناء الاوبرالي العالمي.

* استخدام الجمال الأوبرالي كسلطة إعلامية تقمع الاحتجاج المناهض للخطاب هو ترميز وقلب المعادلة: اذ يستخدم الجمال كسلاح ضد الحق وذلك يعني ان الحق بصورته سيكون قبحا طالما كان سلاح الزيف الإعلامي بالغناء الأوبرالي اعلى حضورا وتأثيرا.

* هذا يعني ان تزويق الإعلام للخطاب المجرم يدحض باستمرار كل احتجاج ومناهضة..

* جاء الإعلام الأوبرالي من داخل العرض المسرحي لا من خارجه. اي ان قمع الاحتجاج والمناهضة لم يأت من الخارج بل من الداخل. لم يأت إلا من انفسنا وهذا ما يجعل ديمومة الخراب اطول عمرا وما يضعف كل صورة من صور المناهضة طالما ان الايمان بالخطاب الكولونياني يتمتع بقوة وحضور داخلي من انفسنا. ان ممثلة من ممثلات وادوات العرض استطاعت ان تقمع وتسكت صوت المخرج المناهض وهو صانع العرض..

هكذا يكون قد بدأ وقت العرض ولم يبدأ بعد. بدأ لان الممثلين استخدموا انفسهم للتعبير الاولي عنهم. استخدموا التشخيص الاتي:

– التعبير عن حالات بعضهم ووجودهم في حلبة الخشبة المسرحية.

– التعبير عن طريق المغنية عن دورها الإعلامي القامع للمخرج المحتج موقفا وسياسة لما تفعلة الإرادة الكولونيالية في ادارة الوجود صراعا وحياة..

ولم يبدأ العرض طالما ان صوت المخرج بقي مناهضا بصفته خارجا عن أدواته وخارجا عن لعبة العرض بل بقي على حافة المناهضة وتبني الموقف السياسي لما تفرضه ارادة الخطاب الكولونياني. وبالضد من سلطة ذلك الخطاب عبر المخرج عن سخطه المباشر لما تفعله عربة التدمير التي يقودها ذلك الخطاب الخطير والمتعالي.

ولم يبدأ العرض بعد طالما ان الافتتاح السياسي ترك راية المناهضة إلى:

ثانيا: افتتاح ثقافي

( المؤلف يستعرض وحشية الخطاب الكولونيالي وتداعياته من حيث) :

* الاستفهام لما آل اليه مصير الناس نوعا وأخلاقا.

* الخلط بين جنس البشر والذي يتنامى فيه الروح الإنسانية العظيمة وبين جنس الحيوان الذي يعتمد على الغريزة والبقاء.

* الخلط بين الايمان والدعارة.

* التأكيد على أبلسة الناس وشيطنتهم.

* الخطاب العالمي يعد تدميرا لبنية واخلاق المجتمعات.

سنلحظ من هذين الموقفين المباشرين: موقف المخرج الموصوف بالاحتجاج السياسي وموقف المؤلف الموصوف بالاحتجاج الأخلاقي لموضوع الخطاب العام الذي أدار شؤون المجتمعات بالتدمير والرذيلة وتبديل انسانيته بحيونة بشعة تنتهك وتنفي وتدمر كل بنية خضراء صالحة إلى مزيد من الخراب والضياع. سنلحظ ان هذين الموقفين هما معالجة فكرية لرسالة العرض المسرحي بكل تفصيلات ومشكلات حالاته المقهورة

 

 

الجدار ح٣

الكون كله لا يعدو ان يكون اسرة. بل إذا أردت ان تدرك شيئا اعظم من هذا الكون، اكبر وأوسع منه فاعلم انها الاسرة. لا كيان يعدل كيان الاسرة..

الجدار: حالة ١: آلة قتل الكون كله

بمقولة ان الكون معصوم بنظام نكون قد اشرنا إلى حفظ وبقاء الكون. وان انهياره مرهون بضرب ذلك النظام وتفكيك تلك العصمة منه. كذلك الاسرة مرهونة بنظام يحفظها ويديم بقائها ويمنع عنها زوالها وذلك عن طريق ذلك النظام العاصم لها.  ان اي إخلال بالنظام هو إخلال بوجود وكيان الاسرة وبالتالي تهبط بهم النتيجة بالتفكك والانهيار..

الحالة هي: اسرة تتكون من زوج وزوجة وابنتين.

ما بقي من تلك الأسرة إلا الأم هائمة. تندب وتنعب سقوط وانهيار بيتها وضياع بناتها في بحر من الرذيلة التي قلبت النظام الأسري إلى فوضى عارمة.

نلحظ هنا:

– الاب يخدر زوجته وبناته من اجل ان يمارس الجنس معهن أصدقاؤه.

– تخلى عن نظام الاسرة بل قلب الطاولة على ذلك النظام وانتهك حرمته.

– أباح أسرته إلى غيره لانتهاك شرفها.

نلحظ ايضا:

– ما بقي من الأسرة إلا الزوجة ضائعة هائمة تروي قصة انهيار اسرتها.

– الزوجة صرصار عالق في جدار الاسرة.

– الجدران الثلاثة فكرة الصورة التي رسمها الزوج لتكون نظاما بديلا لاسرته: النظام القاتل..اي تحويل البيت الأسري إلى منفى يراد الهروب منه ولكن دائما يكون الهروب اليه.

نتبين من ذلك نتائج:

* ان فكرة ضرب النظام الأسري هي فكرة عالمية وذلك تبعا لخطاب المخرج ابتداء والذي اشار فيه إلى التدخل الكولونيالي في تدمير مدن العالم الثالث.

* الزوج مجرد آلة صغيرة تبنت فكرة خبيثة لقلب وتدمير ماكنة الاسرة في هذا البيت.

* للعالم مدير يحرك تلك الالات تبعا لارادته.

* الاعلام الاسود الأوبرالي يحفظ ذلك الخطاب الشمولي بادواته.

* تهجين ادوات المواجهة عن طريق تخنيث الرجولة.

* البيت اصبح بيتا عاما. بل مبغى بيت الاسرة اصبح ميغا عاما..

* لا أسماء تحدد الاشخاص او الأشياء بل مجرد حالات لا اكثر.

جاء التعبير اداء في ضوء ذلك عن طريق الممثلة/ الحالة إسراء العاني:

– قرار ادائي عميق الصوت والشعور بفاجعة انتهاك حرمة الجسد والأسرة وضياعها..

– تعالق حركي هارب من ارضية البيت إلى جدرانه.

– حزن واحتجاج في آن واحد.

– لا مواجهة اذ كل شيء بلغ مرحلة التدمير..

– اداء تعبيري مجهد يعبر عن كابوس الحالة.

هنا سوف يربط كيان الحالة بكيان الخطاب وذلك عن طريق المعادل الموضوعي الاتي: ان التصور المثالي لنظام الحيونة التي فرضها الخطاب الشمولي على تصورات العالم الثالث وجعلها أمثلة ونماذج يمكن تحويلها إلى سلوك يومي جعلت الخطوات الاتية محل تطبيق على نحو:

– الاب آلة صغيرة اتّبعت صوت ونداء ماكنة الخطاب الأشمل وتأثرت به وقدمته سلوكا يوميا على أسرته.

– لا خصوصية للبيت او الاسرة وباتت أدارتهما عن طريق خارجة عن ارادة البيت وهي اشد واقوى وأكثر تاثيراً..

– ادوات المواجهة ليس رجالات الهجنة الداعرة والمغتصبة عن طريق الممثل/ يحيى ابراهيم بل الإعلام الأوبرالي الأسود والذي يعمل على تصفية خصوم الخطاب التدميري بنفس ما يعمل على توجيه تصوراتهم في تبني الخطاب..

– الجميع ضحايا كذلك الجميع ادوات جلد الضحايا.

– لم يعد البيت يتكون من زوج وزوجة وأبناء وجدران تحفظهم بنظام ثابت بل يضاف إلى ذلك إعلام موجه من الخارج وجدران سائلة ينفذ من خلالها الانحطاط وكل ما يقلب ذلك النظام المقدس ليحيله إلى مدنس على وفق ارادة الخطاب الكولونياني..

نلحظ ايضا هنا ان مستوى البناء الخاص بالحالة١: يعد بناء افقيا اعتمد تداعي السرد وهو بذلك خرج من معطف الفعل الدرامي وارتدى معطف الحكي الدرامي والفارق هنا في هذا الحكي ان عنصر التضاد الوحيد هو قلب التهمة من زوجة تتهم زوجها بالقوادة إلى زوج يتهم زوجته بالخيانة. وهكذا لا دليل على فعل المواجهة اذ ضاع بينهم:

– البيت

– الاسرة

– الاولاد

– النظام

– الصدق

– العدل

اذن، لا حقيقة واضحة ومحددة بعد اليوم وكل ما يحدث انما جريان عتلات التفاهة في ماكنة مسلوبة الإرادة بل ان وظيفتها في ادارة نفسها تعمل باستمرار على سلب ارادتها بكل قوة وبكل يسر.. وستبقى الزوجة مجرد صرصار عالق على الجدار طالما ان طريقة ادارة الكوكب بذلك الخطاب تعمل على انتهاك كيان الاسرة وتهشيم نظامها

 

الجدار ح ٤

كل ما يمنحه لنا هذا الخطاب الكولونياني انما يمنحه بصورتين:

* الإفراط: اصبحنا كائنات تسرع بالحب، بالأكل، بالعلاقات، بالزواج، بالصدق، بالكذب، .. تسرع إلى حد الإفراط بكل قيمة من قيم الحياة..

* التفريط: كذلك من السهولة التنازل او الهروب منا: من الحب، من الزواج، من ذكورية او أنثوية الكائن فينا، من الهوية، من الوطن، من البيت، من العلاقات، من الصدق..

الجدار

الحالة٢: لا وسطية، لا اتزان..

عندما سقط المركز من واجهة الوجود ارتفع شأن الهامش. ارتفع حضور الرديء على الجيد. الرذيلة على الفضيلة، الكره على الحب، الكذب على الصدق، السرعة على التوازن… الأمر الذي جعل الجميع يلهث وراء السطح والسطحية. لا قيمة لشيء. لا اعتبار واحترام. لا قاعدة ولا نظام .. وهكذا اصبحنا جميعا نسرع باتجاه الإفراط بكل شيء مثلما نسرع باتجاه التفريط بكل شيء..

تمثلت قصة الحالة هنا في فتاة بدينة احبت شابا، وتحول الحب إلى قتل من حيث:

– المجتمع يتنمر على بدانة الفتاة.

– عمل الشاب في حقوق الإنسان لم يترك في نفسه اثرا اخلاقيا يتعلق بالحقوق.

– تجريد الفتاة من وجودها الشخصي والأسري والمالي والاعتباري وذلك بدواعي حاجة الشاب إلى المال.

– تجريد الشاب من اتزانه في الحب إلى حالة من الكره والاشمئزاز.

– هروب الشاب من الفتاة ونبذها بل تركها فريسة اخطاء

تبدو في الظاهر انها حالة فردية تتعرض لها فتاة معينة في مدينة معينة وحسب لكن ماوراء تلك الحالة يقبع خطاب قاهر يحرك سلوك الحالات الفردية ويوجه سلوكها مما يجعلها اسيرة تصوراته وسجونه في الأفكار والمعتقدات..

ارتسم المشهد المعبر عن هذه الحالة بـ :

١- تداعي سردي من حيث البناء إلا ان ذلك التداعي الاحادي مد جسرا من الحوار الأفقي ايضا مع الضحية/ الراقصة/ الممثلة آلاء نجم.

٢- الاداء كان بقرار عميق الصوت والمشاعر لما تعاني الفتاة واخذ على وتيرة واحدة من الاداء.

٣- ضبط فكرة وسبب تضحية الفتاة لا من تلقاء ذاتها بقدر ما كان الفعل اجتماعيا وسياسيا على نحو ما.

نلحظ ان الفضاء الدرامي الذي احتوى تلك القصة قد تميز:

– ذات الجدران

– ذات الإيقاع

– تداخل حركي بين الضحية/ الراقصة وبين الفتاة البدينة

– تداخل حواري يعبر عن صورة التداعي بين الفتاتين.

– الانهيار التام للفتاة يقوده الإعلام الأوبرالي باتجاه معالجة عدم الاتزان بالقتل تفريطا بالحبيب..

– مشهد تقطيع جسد الحبيب أربا والانتقام منه يعد مشهدا تعبيرا يثير الرعب من خلال:

* الإفراط في تداعي عذابات الحب تؤدي إلى التفريط بمسبب ذلك الحب/ الشاب

* مشهد كابوسي يتمثل بشكل تعبيري حاد جدا.

* لا مشكلة إذا كان الانتقام جسدا بجسد. اي مثلما نفر الشاب من جسد الفتاة استنفرت الفتاة قوى الانتقام لتقتل وتقطع جسد الشاب.

النتيجة المرسلة من وراء تلك الحالة يمكن ان تأتي على نحو: قد تبدو نزعة نفسية تخص فتاة وشاب لم يتوافقا في الحب. نزعة من شأنها ان تنحصر في ذات الفتاة وذات الشاب. بين حبيبين فشلا في إنجاح مشروع حبهما إلا أن تدخل:

– الراقصة/ ضحية اخرى

– المغنية الاوبرالية التي تمثل الاعلام الكولونيالي الأسود والمحرض على تدمير كل اتزان ما في علاقة ما وقلب القواعد والنظام إلى فوضى.

– التوجيه المباشر من الاخر للانتقام. اي توجيه الفتاة من خارج ارادتها بعد فتح باب القصابة والشروع بالانتقام..

– القاتل الرئيس للشاب هو الإعلام الكولونيالي

ان اجتماع عناصر السينوغرافيا كلها في ادارة المشهد ذهبت لتأكيد:

* ان صورتنا تبقى صورة جدران لا منفذ لها.

* نحن راهن تصوراتنا عن خطاب متعال همه الاول قهرنا. وذلك من خلال تدخل التجسيد الأنثوي للإعلام الأوبرالي الأسود والمشوه عن طريق اداء الممثلة الاوبرالية

* الأبواب وهم ابواب. انها تدل على انفسنا التي لا مفر منها إلا اليها.

* الراقصة فعل متواز يسحب المعالجة من الشد بالقتل لمواجهة الفشل بالحب والجسد والاعتبار إلى الرقص والفرح والتناغم العملي مع جنون وفواحش الواقع المعيش

 

 

الجدار ح ٥

إذا كان هذا العالم يرقص ويتلذذ برقصته على عذابات البشرية جمعاء لتكن مواجهتي اليه مماثلة: هم ما ذبحوني إلا لكي ارقص. وبدلا من إعطاءهم ذريعة موتي او هزيمتي لكي يرقصوا فأنا بذريعة حياتي وصمودي ارقص لهم.

الجدار

الحالة٣: الجدار الاخر للمواجهة

ان رفع جدران البيوت لمعرفة ما يحدث فيها يتقابل برفع جدران أسرارنا الشخصية لمعرفة ما يحدث لنا. ومن بين تلك البيوت التي رفعت عنها الجدران وتلك الشخصيات المرأة الراقصة/ اداء آلاء نجم. انه بيت تخلل فيه الواقع على نحو:

– شخصي

– اجتماعي

– سياسي

ولما عرفت الراقصة ان المواجهة خاسرة لا ريب في ذلك ازاء قوة السياسي وسلطته لجأت إلى حيلة الرقص. حيلة الحفاظ على وجودها وبيتها وشخصها بل اكثر من ذلك تحولت إلى روبن هود وطني ياخذ باليمنى من أموال السياسي ليمنحها باليسرى إلى الفقراء.

هنا تتجلى المشكلة: ان البيت/ الاسرة لم تعد كيانا خاصا واجتماعيا وحسب بل لزم ان يكون ذلك البيت سياسيا بامتياز وبالتالي ان لم يخضع لشرط السياسي خضع لمشرط ذلك السياسي يذبح به ويقتل كيفما يشاء. وهذا ما جعل العالم كله عبارة عن:

* بيت صغير

* اسرة لا قدرة لها بالحفاظ على خصوصياتها.

* الجدران وهم جدران اذ كل شيء مكشوف ولا اسرار بعد اليوم.

* انف الاعلام كبير جدا إلى درجة استعارة المخرج بأنف الفيل رمزا لما يتدخل به الاعلام في كل بيت

* الاعلام هو القوة المباشرة لتدمير البيوت/ الأسر/ خصوصية الاشخاص.

* موت وانعدام الرجولة. اذ كل ما يحدث انما يحدث بدواعي هجنة التجنيس( لا ذكر ولا أنثى) و بدواعي الإفراط والتفريط بالنسوية.

* في هذه المنازلة العامة لوقع الخطاب الكولونيالي على البشرية جمعاء اكثر المتضررين منه هن النساء على الرغم من ان ذلك الخطاب مما ينادي به الانتصار للنسوية زيفا لا حقيقة.

استخدم المخرج ذات البناء وكرره ثالثة بل هو قاعدة بناء لهذا العرض المسرحي المعنون بالجدار: ان تداع سردي بإيقاع رخيم ينقل فعل المشهد المسرحي عبر سرد ما وقع على الضحية وقليلا ما يزاح ذلك السرد إلى معادل صوري او معادل حواري يناهض ويقاطع تداعي ذلك السرد.

ونلحظ هنا ان اداء الفنانة: آلاء نجم في دورها/ الراقصة كان يخلط بين اداء:

– حركي اذ اتخذت من العيش والمواجهة والتعبير بالرقص على كل شاردة وواردة من السلوك اليومي المباشر وغير المباشر.

– صوتي اذ بلغ ذلك التداعي السردي وجهته حين عرف لنا وقائع انقلاب البيت من اعتباري وخاص بالأسرة إلى ملهى يواجه الواقع المعيش والسياسي بالرقص ..

– شكل الاداء الحركي اطارا عاما للشخصية وقالبا ثابتا بينما الاداء الصوتي شكل البعد الذاتي للشخصية وقرار التعريف به وبطريقة مواجهته.

– بقي قرار الشعور الملازم لذلك الاداء متشابها في كل تداعياته وعلى طول خط المواجهة. بقي على وتيرة واحدة وهذا ما يدل ان الشخصية المراد تقديما تشكل حالة وجود وحالة عرض مسرحي وحسب.

كذلك ساعدت الجدران التي هي على وفق فرضية العرض وهم جدران طالما ان الانتهاك قد بلغ ذروته لكل خاص ومحترم وانساني ساعدت ان تدفع بنا لتبني معان مزاحة من قبل هذا الاداء ويمكن تبيانها في:

* ان التعري الذي وصلت اليه الذات لم يعد يؤلمنا طالما ان تكرار ذلك التعري بات سمة من سمات هذا العالم.

* لم تعد الجدران النفسية والاجتماعية والأسرية إلا جدران سياسية بامتياز لقيادة وادارة السلوك البشري: اليومي والاعتباري..

* هذه الجدران وأبوابها المزيفة انما هي معادل موضوعي وصوري لكل ذات او اسرة او مجتمع او دولة.

* يتحكم في تلك الجدران الاعلام المزيف بارادة اعلى من سلطة ذلك الاعلام لا ملامح لها إلا ملامح مدير خاضع بدوره لذات اللعباة.

 

الجدار ح ٦

إذا كان الإنسان قيمة عليا والإنسانية اعلى مراتب الوجود وان الارتقاء إلى ذلك السلم المتعالي يبدأ من:

– الحيوان: اول التكوين والادنى مرتبة.

– البشر: ثاني التكوين وأعلى مرتبة وهو ما يخص نوع الكائن في هذا الوجود.

– الإنسان: ثالث التكوين وهو المرتبة العليا في سلم الوجود والاعتبار.

فلماذا كل أشكال الخطابات السالفة تؤكد على هذا السلم وهذا الارتقاء إلا خطاب عصرنا هذا فهو يؤكد وبشكل قسري على النكوص إلى المرتبة الادنى: الحيوان

الجدار:

الحالة ٤: جدار الاباحية السفلى

ثمة محاكمة وقصاص لمن لا يستجيب او يناهض نظام الحيونة الذي يفرضه الخطاب. والزوجة التي تتمرد على نزول الزوج في تطبيق ارادة ذلك الخطاب وجعل البيت مستقر الانسانية بالتأكيد هي متمردة وبالتأكيد ان جيوش الخطاب وإعلامه ستفرض عليها محاكمة وقصاصا لا مفر من وقوع اثره عليها بالتعذيب والنفي والحرمان..

والزوجة/ الممثلة رضاب ادركت حرمة بيتها من ادراك حرمة جسدها اولا وان ذلك الإدراك سوف ينعكس على سوية الانسان في وجوده وأسرته.. وبالتالي ان مناهضة سلوك الزوج القهري الذي يحول البيت واعتبار زوجته إلى ملهى يقضي به اشد حيونته بممارسة الجنس كأصل لنوع وتتابع العلاقة مع الزوجة. الأمر الذي ترك اثرا غائرا في:

– ان لا حرمة للبيت والأسرة

– ان البهيمية مصدر تلك العلاقة بين الزوجين.

– نزول الطابع الانساني إلى مرتبة الطابع الحيواني حصرا. وما بقي من العلاقة إلا تداعي الغريزة بينهما.

– هذا العالم لا يمكن ان يكون بنيانه اكثر من افراط جنسي يدعو فقط إلى البقاء وحسب.

– تغييب العقل ومنح الجسد فرصة التفريط بكيانه ومسخه تماما في هذا الوجود.

– لا كرامة او احترام لوجد ووجدان المرأة.

هنا تم اقتياد الضحية إلى المحكمة الحقيقية والافتراضية في آن واحد:

١- الحقيقية: ذلك باعتبار ان المرأة ثبت تمردها بالسلوك العلني قولا وفعلا ازاء ما يحدث لها من حيونة جنسية بذيئة لدرجة الغثيان.

٢- الافتراضية وفيها:

* كل الأبواب المتضمنة داخل تلك الجدران انما هي افتراض ابواب وأنها بذاتها مجرد جدران سائلة داخل تلك الجدران الصلبة..

* ما يخرج من تلك الأبواب وما يدخل انما هو بالأصل داخل لعبة تلك الجدران.. داخل لعبة ذلك الخطاب الكولونيالي المتعالي.

* التمويه الصوفي من خلال رقصة الجنس الثالث المخنث/ اداء الممثل يحيى ابراهيم مجرد تمويه صوري لواقع مادي وحيواني متوحش.

* الإعلام الأوبرالي سلطة وقوة قرار وقاض وخصم لكل متمرد في آن واحد.

* اجراء التحقيق والمحاكمة اجراء صوري لا اكثر وان قرار الحكم نافذ بالضحية طالما ارتضت التمرد او المناهضة..

* تزويق الحكم بالغناء الأوبرالي فيه خدعة تقويض الظلم وقهره بالجميل الخادع والمزيف.

تعلن هنا الضحية عن حالة استلابها الجسدي والنفسي والأسري. تعلن عنه بالرفض والمناهضة وتأكيد وقوع الظلم فيها. لكن ذلك بدلا من ان يكون محل إنصاف كان محل عقوبة. بدلا من الأخذ بحقها ينزل القصاص الدائم بها.

وهكذا.. وعلى الرغم من توافر الثلاثي الاساس في الحوار والفعل الدرامي:

– الضحية/ الزوجة

– الثالث المخنث ( لا ذكر ولا أنثى ) وهو شرطي القضاء والمحكمة وسجان الضحية ونوعها المرفوض فيها.

– الإعلام الأوبرالي/ المحكمة والقاضي والخصم الشرس.

على الرغم من ذلك إلا ان الواضح هنا من هذا التداعي للضحية انه تداع سردي يعبر عن حالة الزوجة في مدار ما تركه الخطاب من جدران تمسخ بقدر ما تدمر الذات والهوية والبيت والنظام والأسرة على حد سواء. انه صوت الضحية الداخلي الذي تلازم فيه صوت القمع والهتك والفتك معا وعلى درجة واحدة من البوح والمكاشفة والرفض او القبول.. وعلى إيقاع مماثل. انه تداع نتيجته واضحة ولكن بالضرورة الفنية سيمرره المخرج لنا بحراك من التفاصيل المؤلمة والقاهرة للكشف عنه..

لا نتيجة من وراء ذلك الاعتراض. لا مفر من تلك الحالة وما بقي من تداع سوف يمر سريعا في صدورنا نحن الذين خضعنا إلى فرضية وخطاب ذلك الجدار من حيث نرغب او لا نرغب بل لا ارادة لنا في ذلك غير ان نكون عتلة صغيرة تتحرك كجزء حيوي لديمومة ماكينة ذلك الخطاب الكبير والذي يلتهم كل جزء فيه..

هذا يعني ان كل ما نريد الاعتراض عليه والمناهضة انما نريد ان لا:

– تهبط إنسانيتنا إلى قاع حيواني مريض حد العفن الجنسي.

– نفقد نوعنا الإنساني الذي يتميز بالعقل والوجدان الشفيف.

– ننزل بسلم الوجود بدلا من ان نرتقي به.

– يسقط اعتبارنا في التكوين والنظام

 

 

الجدار ح ٧

البنت المدللة مريم تبحث عن وعي، تبحث عن يقظة من حلمها الغريب والمثقل بالمخدرات.. تبحث عن أجنحتها الصغيرة والطيران في السماء الصافية. تريد ان تطير اكثر لكن حضيض هذا العالم يجعلها تطمس في وحله القذر اكثر.

كل اسرة. كل مجتمع. كل كريم يخاف على ابنته مريم من كابوس المخدرات..

الجدار

الحالة ٥: ابواب المخدرات المفتوحة

ثمة طيران للبنت مريم مزدوج الدلالة نشير اليه ابتداء في هذه الحالة:

– طيران سعادة: مريم في مقتبل العمر تعيش حياة مدللة في اسرة ميسورة.

– طيران موت: مريم نتيجة تفكك الاسرة يفتك بها كابوس المخدرات وكابوس زنى المحارم فتطير شنقا لنفسها وذلك هربا وخوفا من تصدع هذا الكابوس فيها.

وما بين الطيران الاول والطيران الثاني نلحظ ثمة مراحل او أشواط تقطعها مريم حسب اداء الممثلة/ لبوة ولمدة عشرين دقيقة من ذلك العمر الافتراضي على المسرح/ لحظة الاداء والحقيقي في الواقع/ لحظة وقوع التفكك والانهيار. نلحظ ذلك في:

* انحلال الاسرة

* انحلال مريم

* بلوغ مريم مرحلة الجدار: هي المرحلة التي تدل هنا ان مريم سقطت في مؤثرات خطاب العصر الذي يدعو إلى التحلل والتهتك وسقوط القيم..

* اللقاء بالراقصة في مبنى ذلك الجدار والتي عبرت عن استغرابها بدخول مريم إلى هذه الحالة/ الجدار.

* تداعي السرد في تبيان حالتها وعلى منوال جميع الحالات السابقة التي عرضها لنا المخرج على خشبة العرض كنموذج استجاب إلى خطاب كولونيالي بشع جدا.

* إيقاع ونموذج ادائي سردي تناضح عنه لغة اخبارنا بما حدث لهذه الضحية/ الحالة في هذا الجدار..

* التقاطع او النفور الديني من وقائع واحداث مريم وبالطريقة التقليدية المنمطة التي لا تأثير لها على مريم.

كذلك نلحظ جغرافيا الاداء الحركي مع خارطة الحدث السردي على نحو:

* طيران حر/ بدء رحلة الوعي بالسعادة.

* الخروج من قاعدة البيت والأسرة إلى حضيض الشارع/ إلى الجدار وفيه.

* التماهي مع وضع الجدار ومدار الحركة فيه.

* انهيار بيت الاسرة وتبني ما يفرضه الجدار من تهتك وانحلال.

* الفعل المتوازي لنموذج التدين والذي لم يتقاطع او يتجادل مع الضحايا وحالاتها. بل كان دوره دور ببغاء لا اهمية له ولا تأثير..

* دوران الحركة والتقابل بين مريم والراقصة في موضع الجدار..

* استمرار تداعي قصة مريم من قبلها بطريقة الخطاب المباشر عبر المايكروفون..

* حدث التعاطي

* حفلة الزواج من اخيها.

* إشاعة الزواج بقبول الأصدقاء وكإنه امر طبيعي..

* جريمة قتل طفلتهما من حيث رميها خارج البيت.

* طيران مريم بالشنق/ بدء مرحلة الانتحار الأليمة.

استخدم المخرج ثوابت تأطر بها العرض المسرحي. وجعل ذلك التأطير يتناسب مع كل حالة في عرض احداثها. وقد بقي ذلك الاستخدام يراهن عليه العرض في كل تداعياته وعلى نحو:

– الخطاب الكولونيالي فرض قيمه الساقطة على البشرية جمعاء. فرض ارادته في توجيه السلوك اليوم والاعتباري لكل البشر.

– سقوط القيمة والمبدأ وانحطاط السلوك والفكرة بشكل سريع.

– التسطح المتسارع وصعود الهامش الرخيص والوضيع إلى واجهة الوجود والاعتبار.

– التدين صوري ببغاوي لا تأثير له.

– الجميع في تعرية واضحة امام ارادة الجدار.

– الجدار هو طريقة الحياة التي نعيش كل تفاصيلها الدقيقة.

ما يمكن ان نخلص به من هذا الواقع/ الجدار الذي يلازمنا بكل سلوك يومي وحياتي واعتباري ان مصيرنا في حضيض واحد وان اختلفت الطرق التي تصل بنا إلى ذلك الحضيض. وعلى الرغم من ان الخطاب الكولونياني هو موجه خارجي: من خارج وجودنا وذواتنا إلا اننا نسير في ركبه سير السائرون في النوم اذ لا قدرة او وعي لنا في رفضه وان الوعي به وبما يفرضه هو اعلى رتبة يصلها المشاهد من اجل مناهضته ورفضه..وان الجدار الذي تأطر به العرض المسرحي كنموذج سينوغرافي بوعي علي السوداني انما هو دلالة واضحة ومعادل موضوعي لـ :

١- الخطاب غير المرئي الذي يدمر كل مرئي قيمة ووجودا.

٢- الجدار هو حياتنا التي نعيش تفاصيلها كل يوم.

٣- الجدار سجن اجتماعي بطريقة التدمير العام.

٤- الجدار هو البيوت والأسر والناس جميعا.

٥- الجدار هو ادارة ميدانية للخطاب الكولونيالي.

٦- الجدار هو التفسخ النفسي والاجتماعي والقيمي..

٧- الجدار هو الهامش الحقير الذي يضرب الخاصرة الضعيفة في المجتمع والقيمة/ المرأة

 

الجدار ح٨

للضحك فقط

للضحك لا اكثر

– قبل مائة عام كانت جريمة الشذوذ الجنسي الإعدام شنقا.

– قبل خمسين سنة كانت جريمة الشذوذ الجنسي السجن المؤيد..

– قبل عشرين سنة كانت جريمة الشذوذ الجنسي غرامة وسجن اربع سنوات.

– قبل خمس سنين، فقط غرامة..

– الان الشذوذ الجنسي سمة الحضارة الجديدة..

للضحك لا اكثر نحن نغرق في خطاب العصر الجديد: الشذوذ..

الجدار

الحالة ٦، ٧، ٨ – ٤ ، ٣ ، ٢: غرفة الاعتراف

الان حضر الجوكر: المدير الاول لعرض الجدار. الرجل التنفيذي والإرادة الصارمة لتطبيق ما يريده منه الخطاب الكولونياني: حضر بدواعي استراحة عرض لحالات لم تنته بعد. حضر ليقود المشهد الترويحي بعد انتهاء نصف تفاحة الوقت: وقت العرض المسرحي المباشر.حضر ليؤكد المزيد من تداعيات سرد حالات اخرى.

وهذا المشهد الترويحي بُني على ثلاث حالات:

١- ان الضبط الجمالي الذي تديره آلة البيانو عبر العازفة الصامته خرج من كونه اداة لصنع إيقاع وجو العرض إلى مشهد مجزوء من حالة ضحية دخلت في متاهة الجدار وضحايا حالاته.

٢- تواجد الراقصة في معترك الجدار لا لتكون ضحية متناغمة مع الخطاب عامة والجدار ونزعته في شؤون وادارة الضحايا خاصة. بل كان تواجدها من اجل بث الرغبة في المناهضة. ارادت ان تبوح بغضبها مما يجري عليها وعلى غيرها من امتهان كرامة وضياع مصير وتلاشي الحق الانساني منها.

٣- عودة حالة الام وبناتها المغتصبات ومشهد الغرق الأسري الذي هو كناية عن غرق:

– العالم

– الاخلاق

– الاسرة

– الذات

ذلك الغرق الذي لا يراد منه التطهير من دنس ما يقع على البشرية جمعاء من مسخ إنساني بل يراد منه الهروب بالغرق في قاع البحار من كل بر ارتضى بدنس الخطاب ووقع سهامه الفاسدة في كل قلب وذات وأسرة ومجتمع..

بدأ العزف بأنامل العازفة ولكن هذه المرة لا للتعبير عن حالة هناك منفصلة عنها. حالة يراد من تلك الأنامل ان تضبط إيقاعها الفني في العرض وجوها المشحون بالاسى بل التعبير عن نفسها حصرا. التعبير عن حالتها التي اودت بجسدها إلى التمزق والحضيض وعلى يد من احبت: ذلك الحبيب الذي استدرجها باسم الحب ليمزق جسدها بشهوته المتوحشة ثم يتركها نافرا منها ومدمرا لشرفها لا لشيء إلا لإرضاء نزوته الحيوانية وحسب.

ذلك السرد الذي تداعت به العازفة كان اشبه باعتراف في حضرة المدير: الجوكر. اعتراف عن خطايا فتاة احبت شابا بصدق مشاعرها ولكنه خان ذلك الصدق بتزويق اغتصابها. الأمر الذي منحها الدافع من اجل الانتقام منه بقتله وخلط دمه بألوان اخرى اضاعت اثره في نفسها وفي الجدار / البيت/ الخطاب/ الوجود كله..

  وماذا يعني ذلك الاعتراف. انه بوابة تطل على:

– ان الجدار مسكن الطمأنينة ومسكن الغفران..

– ان الاعتراف به وفي حضرة مديره سيؤدي إلى غسل ادران الضحية بذات المياه التي تدعو إلى دنس واغتصاب الضحية..

– ان العدو والصديق واحد. ان الجدار فاعل لكل جريمة وبذات الوقت هو بيت الاعتراف المنزه والذي تستطيع الضحية غسل ذنوبها من خلاله.

– انه القاضي والإيمان والكفر والخصم والجاني والضحية في آن واحد.

في هذا المشهد اكتمل التشخيص الدقيق لكل شفرات العرض. اكتمل بدر الخطاب الكولونيالي وقدرته في تسيير عجلاته التي تحمل الضحايا اليه ومنه في كل وقت. تحملها لكي تؤكد سطوة واثر الجدار في تدنيس البشرية جمعاء.

ان ما يتركه فينا هذا المشهد  كدلالة عن خطاب قاهر يمكن تلخيصه على نحو:

* قدرته الفائقة في تحويل كل مؤنث في هذا الوجود إلى ضحية وجود واعتبار.

* قدرته في تبيان نفسه انه ولد من التأنيث كخطاب جديد وشامل وان قهره وفتكه ينزل ايضا بكل مؤنث..

* لا وجود لرجولة في هذا الخطاب.. انما مركز وجوده قائم على مذكر تحيون حد البشاعة..

* موت الحد والتجنيس وان التنوع المنشود بات واحدا بصيغة أنثى تعدم تحت وطأة عجلاته القذرة.

هكذا يكون الخطاب كله عورة وجود. انحطاط قيمة. انه عجلة تدمير  مدنسة وهو غرفة اعتراف مقدسة.

محمد سامي

محمد سامي مسؤول النشر بموقع كواليس 24 - عضو نقابة الفنانين العراقيين - وعضو آتحاد المسرحيين العراقيين ييعمل لدى مركز روابط للثقافة والفنون ومحرر في موقع الخشبة و موقع الهيئة العربية للمسرح مسؤول تنظيم مهرجان بغداد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى