السينما العالمية

الفيلم الأميركي “حرب أهلية” رؤية سينمائية لمستقبل البيت الأبيض : عبدالرحيم الشافعي

المخرج الإنجليزي أليكس غارلاند يصور الحرب متخيلا انقسام الولايات المتحدة.

رغم أنه لم يكن سبّاقا في تناول موضوع الحرب الأهلية وانقسام الولايات المتحدة، إلا أن المخرج الإنجليزي أليكس غارلاند يقدم في فيلمه “حرب أهلية” نوعا من السينما الجديدة التي لم يخضها طوال تجاربه الفيلمية السابقة، حيث تبرز تطور أسلوبه الإخراجي ونضج تجربته الفنية.

 تدور أحداث فيلم “حرب أهلية” للمخرج الإنجليزي أليكس غارلاند حول فريق من الصحافيين يسافر عبر الولايات المتحدة خلال الحرب الأهلية التي اجتاحت البلاد.

العمل من سيناريو أليكس غارلاند، وبطولة كل من كيرستين دانست وواغنر مورا وكايلي سبيني.

تبدأ افتتاحية الفيلم بلقطة إخبارية لرئيس أميركي يلقي خطابًا لشعبه على التلفزيون، نفهم من خلاله أن الولايات المتحدة تعيش حربا أهلية، وأن هناك ولايتين قد انفصلتا وهما تكساس وكاليفورنيا، حيث أن هاتين الولايتين تضمان قوات تُعرف باسم القوات الغربية، وهي التي تمكنت من الانفصال عن الولايات المتحدة، ومن المفترض أن تدعم هذه القوات أي حركات انفصالية في جميع أنحاء البلاد بهدف انقسام كل الولايات إلى جماعات متنافرة، ولكن الرئيس الأميركي يؤكد أن الوضع مستقر وأنه سيسيطر على هذه الحرب قريبًا.

وفي لقطة قريبة متوازية تظهر مصورة صحافية تُدعى لي تتابع الأخبار لكنها غير مقتنعة بما يؤكده الرئيس. تبرز المشاهد اللاحقة أن لي وصديقها الصحافي جو يذهبان إلى مكان في نيويورك لتغطية المظاهرات الناتجة عن انقطاع إمدادات المياه عن الولاية منذ بداية الحرب، بينما تظهر مشاهد أخرى في صور موازية أن الشرطة الأميركية تتعامل مع المتظاهرين بقسوة وعنف.

 

فيلم "حرب أهلية" لا يشبه أفلام أليكس غارلاند السابقة من حيث المواضيع ومن ناحية المعالجة السينمائية
فيلم “حرب أهلية” لا يشبه أفلام أليكس غارلاند السابقة من حيث المواضيع ومن ناحية المعالجة السينمائية

 

ويتسارع الإيقاع الزمني في المشاهد الموالية التي تعرض وحشية القوات الأميركية تجاه المدنيين والصحافيين، حيث تقتلهم بلا رحمة وتنصح فريق التغطية الصحفية بالتوجه إلى خطوط المواجهة بين الانفصاليين وقوات الرئيس لتوثيق المعارك. ورغم النصيحة يصر لي وجو على الذهاب إلى العاصمة واشنطن لمقابلة الرئيس، ما يدفع سامي إلى طلب مرافقتهما في الرحلة، وتنضم إليهم المصورة الشابة جيسي. يواجهون العديد من المخاطر في الطريق حتى يصلوا إلى محطة بنزين، وتظهر مشاهد قاسية لمنطقة يسيطر عليها مسلحون، فبينما تتفاوض لي مع زعيم المسلحين للحصول على البنزين، تكتشف جيسي في لقطة مقربة موازية بكاميرا متحركة ذات إيقاع بطيء أن هناك سجينين معلقين ومُعذبين، فتقرر التقاط صور لهما بناءً على اقتراح لي مركزة على توثيق الأحداث دون اتباع عاطفته.

ويتباطأ الإيقاع الزمني للأحداث في الفيلم بدءا من المشاهد التي تكشف عن صدمة جيسي وتساؤلاتها حول سبب تصرف لي معها بأسلوب غير إنساني، فتخبرها لي بأن مهنة صحافية الحرب ليست سهلة، ويجب عليها أن تكون قوية لأنها ستواجه مشاهد أكثر صعوبة مما رأته، وفجأة تشاهد جيسي طائرة هليكوبتر محطمة في لقطة بعيدة عامة، فتشجعها لي على التقاط صورة لحطام الطائرة المتبقي، كمحاولة لتهدئتها وتعزيز ثقتها في العمل.

وتتنوع زوايا التصوير بين لقطات على مستوى العين ولقطات عالية ومنخفضة خاصة في المشاهد التي يستريح فيها أعضاء الفريق الصحفي ويخططون لاستكمال الطريق في الصباح لإتمام تغطية الحرب الأهلية، فيجدون أنفسهم وسط معركة بين الانفصاليين وقوات الرئيس، وبينما يتفق جو وسامي على تصوير المعركة يتبادل الانفصاليون والجيش إطلاق النار، وتتصاعد الأوضاع بوجود صواريخ ومدافع كثيفة، فتظل جيسي مصدومة لرؤيتها شخصا يُقتل لأول مرة لكنها تستمر في التغطية بتركيز عال على أهم الصور التي توثق الأحداث.

ويستخدم المخرج تقنيات تصوير متنوعة لخلق تجربة بصرية مؤثرة من خلال لقطات قريبة تُبرز تفاصيل الصراع العنيف، مثل مشهد اقتحام الانفصاليين للمبنى وقتل جندي مصاب بدم بارد، ما يعمق الإحساس بالتوتر والألم، إذ تتابع اللقطات القريبة جدًا تفاصيل دقيقة مثل تعبير وجه جو وهو يتحدث مع موظفة محل الملابس، ما يعكس التباين بين الهدوء والحرب، ثم تُضفي اللقطات العامة طابعًا مميزًا على المشاهد من خلال عرض البيئة المحيطة وتفاصيل الحياة اليومية في الولايات التي تستمر رغم الصراع، متوازية مع مشهد قفز توني وجيسي من السيارات في الطبيعة الخلابة كعنصر للمرح والإثارة.

ويبرز ترتيب المشاهد واللقطات قوة القصة من خلال ما تتعرض له صحافة الحروب، خاصة عندما كان الصحافيون يتحدثون مع الضباط الذين كانوا يدفنون جثثا في مقبرة جماعية؛ فبينما يحاول فريق الصحافة التفاوض مع ضباط مجانين، كان قائدهم يقتل بوهاي وتوني لأنهما صحافيان من أصل صيني، يستمر القائد في تهديد جيسي ولي وجو، لكن سامي يصل بسرعة بالسيارة ويضرب القائد، ثم يركب الجميع السيارة ويهربون. لكن خلال هذا الصراع يصاب سامي في  لقطة قريبة مؤثرة، ويقود جو السيارة بسرعة إلى مخيم القوات الغربية للعلاج. يموت سامي، وبعد ذلك يتحدث جو ولي مع زملائهما الصحافيين ويعرفون أن قادة الجيش قد استسلموا، ولم يتبقَّ سوى قوات قليلة تحمي الرئيس في البيت الأبيض.

ويتميز سيناريو فيلم “حرب أهلية” بحبكة مفتوحة على وجهات نظر متعددة، خاصة في تكوين اللقطات التي يقرر فيها أعضاء الفريق الصحفي الذهاب إلى واشنطن لتصوير المعركة الأخيرة، فبينما يصلون بالتوازي مع القوات الغربية التي تشتبك مع قوات الرئيس، تقتحم القوات الغربية البيت الأبيض، ويدخل معها الفريق الصحفي، فتحدث معركة داخل البيت الأبيض، وتصاب لي في لقطة قريبة بطلق ناري بينما تحاول جيسي تصوير مشهد موتها وهي تحاول إنقاذها.

 

الفيلم خطوة جريئة نحو أعمال سينمائية جادة على مستوى توقع أحداث عالمية جديدة قد تصادفنا مستقبلا
الفيلم خطوة جريئة نحو أعمال سينمائية جادة على مستوى توقع أحداث عالمية جديدة قد تصادفنا مستقبلا

 

تموت لي، وتستمر المعركة حتى يتم القضاء على قوات الرئيس ويصلون إليه مختبئًا تحت مكتبه، وقبل أن يُقتل الرئيس يسأله جو عن آخر كلماته فيتوسل إليه الرئيس بألا يترك القوات الغربية تقتله، لكن جو يخبره بأن هذا لن يحدث. يقتل الرئيس على يد القوات الغربية، وتلتقط جيسي اللقطة الأولى لموته وتنتهي قصة الحرب الأهلية.

ولم يكن غارلاند المخرج الوحيد الذي تناول فكرة حرب أهلية أميركية جديدة، فقد قدمت السينما العديد من الأعمال التي تطرقت إلى هذا الموضوع، من بينها “الولايات المنقسمة الأميركية”. هذه السلسلة الوثائقية، التي صدرت قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016، تناولت قضايا عدم المساواة في مجالات التعليم والإسكان والرعاية الصحية والعمل والعدالة الجنائية والمساواة بين الجنسين والنظام السياسي، حيث سعى صناع العمل إلى دمج الواقع بالخيال، مسلطين الضوء على حالة الرعب بشأن مستقبل الولايات المتحدة المنقسمة سياسيا واجتماعيا، وهو ما قد يؤدي إلى اندلاع صراع أهلي. ورغم أن الفيلم خيالي فإنه يعكس صورة قاتمة لعواقب الاستقطاب الشديد والتطرف الأيديولوجي.

أما الجديد عند المخرج الإنجليزي أليكس غارلاند فهو أن فيلم “حرب أهلية” لا يشبه أفلامه السابقة، لا من حيث المواضيع ولا من حيث المعالجة السينمائية، نأخذ على سبيل المثال فيلم “رجال” الذي أنتج سنة 2022، تدور أحداثه في إطار من الرعب والدراما، حيث تسافر فتاة شابة في إجازة للمكوث بالريف الإنجليزي وحدها، وبينما تسعى لتجاوز أحزانها بعد وفاة زوجها السابق، تشهد مجموعة من الظواهر الغريبة التي تقع من حولها. وكذلك فيلمه “الآلة السابقة” الذي تم إنتاجه سنة 2014، والذي يحكي عن مبرمج شاب يبلغ من العمر 24 عامًا، ويعمل في إحدى شركات الإنترنت الكبرى وفاز بالعديد من جوائز البرمجة حول العالم، ويتم اختياره لكي يعمل في تجربة غريبة هدفها نقل الصفات البشرية إلى الإنسان الآلي ذي الذكاء الاصطناعي، ويتمثل في جسد مصنوع على هيئة امرأة فاتنة وجذابة تدعى آفا.

ويعد فيلم “حرب أهلية” مقارنة بأعماله السابقة قفزة نوعية ليست عادية بل خطوة جريئة نحو أعمال سينمائية عميقة من حيث الرؤية والإبداع ومن حيث توقع أحداث عالمية جديدة قد تصادفنا مستقبلا.

 

المصدر : العرب

محمد سامي

محمد سامي مسؤول النشر بموقع كواليس 24 - عضو نقابة الفنانين العراقيين - وعضو آتحاد المسرحيين العراقيين ييعمل لدى مركز روابط للثقافة والفنون ومحرر في موقع الخشبة و موقع الهيئة العربية للمسرح مسؤول تنظيم مهرجان بغداد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى