الفيلم الإسباني “كل أسماء الله” يناقش قضية الإرهاب من زاوية أخرى : علي المسعود
رحلة سينمائية مثيرة تمزج ببراعة بين الحركة والتشويق والدراما.
تناولت السينما الأميركية خاصة قضايا الإرهاب من زوايا مختلفة، ولكنها تتشارك في إدانة العرب والمسلمين ما خلق ما يعرف بالإسلاموفوبيا وقرن بين الدين الإسلامي والعنف، وهذا ما تجاوزته سينما بلدان أخرى قدمت القضية من زوايا أعمق، مثل السينما الإسبانية، ومن بين أبرز الأعمال لفهم ذلك فيلم “كل أسماء الله”.
شهدت مدريد في 11 مارس 2004 سلسلة من التفجيرات التي استهدفت خطوط السكك الحديدية في العاصمة وروعت الإسبان، هذه التفجيرات التي أودت بحياة نحو مئتي شخص بالإضافة إلى إصابة نحو ألف وستمئة آخرين، واتجهت الأنظار فور وقوع الانفجارات إلى منظمة إيتا الانفصالية التي تسعى إلى انفصال إقليم الباسك عن التاج الإسباني، ولكن منظمة “إيتا” سرعان ما نفت أي صلة لها بالتفجيرات المروعة، في الوقت الذي عُثِر فيه على شريط فيديو يُظهِر من ادعى أنه المتحدث باسم تنظيم القاعدة في أوروبا وهو المتبني لتلك التفجيرات.
استحضر المخرج الإسباني دانيال كالبارسورو تلك الأحداث في فيلمه “كل أسماء الله”. يفتتح فيلمه بهجوم شنه إرهابيون وقام أحدهم باحتجاز سائق سيارة أجرة بريء كرهينة، وتحويله إلى قنبلة بشرية تجوب شوارع مدريد بعد فترة وجيزة من الهجوم. سانتي يقوم بدوره الممثل (لويس توسار) سائق سيارة أجرة يعمل في المناوبة الليلية. نشاهده متعبا ونعسانا جدا، قبل الانتهاء من يوم عمله عند قيام سانتياغو بمشواره الأخير إلى المطار.
بعد لحظات من توصيل الراكب الأخير هناك، تنفجر قنبلتان على بعد أمتار قليلة. يساعد سانتي في الإسعافات، ويستعد لنقل شخص مصاب. لكنه تبين أنه إرهابي وينتهي الأمر بسائق سيارة الأجرة إلى أن يصبح رهينة له. وفي الوقت نفسه، سرعان ما تكتشف الشرطة الطبيعة الجهادية للهجوم، ووجدت تحقيقاتها الجناة المزعومين وهم مجموعة أرهابية، في حين تأتي الأخبار إلى العلن وتبدأ زوجة سانتي وابنه في الخوف من الأسوأ لأنه لا يتلقى مكالماته.
أحداث متصاعدة
يصبح السائق رهينة من قبل الإرهابي حمزة الوحيد الباقي على قيد الحياة بعد التفجيرات. تم تصوير مشاهد الحركة بالمهارة والحس البصري الذي يميز كالبارسورو. من الملفت للنظر صور المخرج كيف تبدو مدريد جذابة في الفيلم. الصور البانورامية التي تظهر مدينة حديثة مليئة بالحياة، أو صور الأحياء الشعبية التي يعيش فيها أبطال الرواية. بشكل خاص تقودنا الكامرا إلى مشاهدة مسار السيارة المختطفة مع سائقها من قبل الإرهابي في شوارع المدينة وهي تسير عبر مبنى مكتب البريد الذي تم تجديده، أو مقر مجلس المدينة، أو على طول شارع غران فيا، والذي يصبح طريق معاناة لا نهاية له تقريبا في كاميرا المخرج كالبارسورو.
يأخذ الفيلم منعطفا غير متوقع عندما يضطر سانتي (توسار) إلى التحول إلى قنبلة بشرية، وهو يسير في غران فيا في مدريد مرتديا سترة محملة بالمتفجرات. يبدد الفيلم المفاهيم الخاطئة التي تقود إلى الإسلاموفوبيا، خاصة بعد صعودها في أوروبا في الآونة الأخيرة. يلقي فيلم “كل أسماء الله” نظرة خاطفة على حياة عائلة مسلمة تورط ابنهم في الهجوم الإرهابي في الفيلم وكيف أنهم على مفترق طرق مع معتقداتهم ومجتمعهم.
يصور “كل أسماء الله” قصة سانتياغو غوميز لاسارتي، سائق سيارة أجرة في منتصف العمر يعيش في مدريد مع زوجته وابنه. ولا يزال سانتياغو وعائلته في حالة حداد على وفاة ابنته التي استسلمت للسرطان قبل عام. ومنذ وفاتها، أصبح سانتياغو منطويا بشكل متزايد ودفن نفسه في عمله. تعترف عائلته بحزنه لكنها تكافح من أجل التواصل معه. في أحد الأيام المصيرية، أثناء عمله اليومي، يوصل السائق سانتياغو راكبا إلى المطار. فجأة، دوت سلسلة من الانفجارات مسببة حالة من الفوضى. يهرع سانتياغو لمساعدة الجرحى، حتى إنه يساعد شخصا جريحا على العودة إلى سيارته الأجرة ومن دون معرفة، هذا الراكب هو أحد الإرهابيين المسؤولين عن الهجوم وهو الإرهابي حمزة الذي يختطف سيارة الأجرة ويريده أن يخرجه من المدينة.
الفيلم يستكشف مواضيع عميقة مثل عواقب الإرهاب والكفاح من أجل البقاء وسعي الإنسان للعثور على المعنى
حمزة شيت هو شاب إسباني يبلغ من العمر 19 عاما من أصل مغربي تم تجنيده في أحد التنظيمات الإرهابية، وهو أحد الإرهابيين الثلاثة الذين تم اختيارهم لتنفيذ الهجوم على مطار مدريد. كان يعيش في مدريد مع والدته وأخته، ومع ذلك، لم يكن حمزة مثل بقية المجموعة ولم يرغب في ارتكاب العنف. ولكن منذ رحلته الأخيرة إلى المغرب بدأ التغير والتحول في سلوكه وتصرفاته الغريبة. أجبر شقيقته على ارتداء الحجاب، ووفقا لتقارير المخابرات الإسبانية، سافر حمزة إلى سوريا وتلقى تدريبا عسكريا خلال الفترة التي كان فيها مفقودا.
على الرغم من تورطه في الهجوم الإرهابي، لا تزال والدته تعتقد أن حمزة ليس رجلا عنيفا وقد تم خداعه من قبل أولئك الذين يحاولون تسليح الإسلام. بعد أن فجر زملاؤه الإرهابيون قنابلهم، يستغل حمزة الفوضى للهروب من مكان الهجوم. عندما يساعده سانتياغو في إنقاذه، يرى بدلا من ذلك فرصة لاختطاف سيارة الأجرة تحت تهديد السلاح بحثا عن الأمان وأجبر سانتياغو على قيادته خارج المدينة.
خوفا على حياته، يمتثل سانتياغو لمطالب حمزة ويقوده خارج مدريد. يتوقفان في محطة وقود، حيث يساعد سانتياغو حمزة في نزع سلاح سترة القنابل وإزالتها. بعد إجبار سانتياغو على إزالة نظام تحديد المواقع العالمي (جي.بي.أس) من سيارته يستأنفان رحلتهما، بعدها يتخلص السائق سانتياغو من السترة. يحاول شل حركة حمزة ولكن سرعان ما تغلب عليه الشاب وهو مقاتل ماهر. وبينما يصوب حمزة بندقيته نحو سانتياغو، يتردد لكونه غير قادر على الضغط على الزناد.
الفيلم يظهر الصراع الداخلي الذي يواجهه أفراد يجدون أنفسهم محاصرين في شبكة يبدو الهروب منها مستحيلا
يدرك سانتياغو أن حمزة هو مجرد مراهق وقع في شبكة مضللة. لم يعد يرغب في أن يكون إرهابيا. إنه ببساطة يتوق للعودة إلى عائلته الآن. ومع ذلك، فهو الآن محاصر بالتهديد بالإعدام والتصفية من قبل زعيم التنظيم بسبب كشفه وعصيان الأوامر في تفجير نفسه والسيارة بالضغط على زر الهاتف، وتؤكد مكالمة من زعيم التنظيم الإرهابي رغبتهم في التخلص من الشاب بعد انكشاف أمره.
يرى زعيم التنظيم الذي ينظر إلى سانتياغو على أنه مجرد بيدق، بضرورة مشاركته في القضية الأصولية. إضافة إلى رعب سانتياغو، تم تجهيز القنبلة بجهاز استشعار للحركة يتطلب حركة مستمرة لمنع التفجير. ينجرف سانتياغو للنوم أثناء القيادة. تنحرف السيارة عن الطريق وتنقلب المركبة، وبأعجوبة ينجو كل من السائق سانتياغو وحمزة من الحادث، لكن حمزة أصيب بجروح خطيرة. قرر السائق سانتياغو قيادة حمزة مرة أخرى، هذه المرة بمحض إرادته. منهكا من المحنة يحاول سانتياغو طلب المساعدة للشاب المصاب، لكن زمرة من الإرهابيين يلاحقونهما ويطلقون النار على حمزة ويخطئون سانتياغو.
في النهاية، تصل وزارة الدفاع الإسبانية ومكافحة الإرهاب بقيادة بيلار مونتيرو قائدة الشرطة العسكرية، إلى المكان لمعالجة الأزمة في المركز التجاري. يشرح السائق المذعور سانتياغو الوضع برمته لبيلار وفريقها، الذين يعبرون عن تعاطفهم وتفهمهم لمحنته. على الجانب الآخر، زعيم التنظيم الإرهابي، الذي أدرك انكشاف أمرهم وفشل خطته الإجرامية يتصل بقائدة الشرطة بيلار مباشرة ويهدد بتفجير القنبلة ما لم يصل سانتياغو إلى منطقة غراند فيا في غضون الدقائق الخمس التالية، عازما على أن يشهد العالم بأسره الحدث على الهواء مباشرة.
انفجار القنبلة
هذا التهديد من زعيم التنظيم تعقبه الفوضى بين سلطات الدفاع، لكن بيلار عازمة على إنقاذ سانتياغو حتى يتمكن من العودة إلى عائلته، التي لا تزال تنتظر في مقرهم الرئيسي. وهي تضع خطة لاستخدام منطقة صناعية منعزلة قريبة كموقع لنزع سلاح القنبلة. للوصول إلى هناك، سيتم نقله في شاحنة مجهزة بجهاز المشي حتى لا تنفجر القنبلة. وفي الوقت نفسه، يستدعي الزعيم إرهابيا يعمل في ورشة لإصلاح الهواتف المحمولة لتنشيط المؤقت على سترة سانتياغو.
يتم تتبع المكالمة من قبل سلطات الاستخبارات، وترسل قواتها للقبض على الرجل، الذي صدمته شاحنة في النهاية. عندما أصيب، التقط طفلان جهاز تفجير القنبلة على صدر سانتياغو، معتقدين أنه هاتف خلوي عادي. ولخداع التنظيم وزعيمه، تتحدث بيلار وجيراردو، وهو أحد الضباط رفيعي المستوى، إلى وكالة إعلامية لاستخدام الذكاء الاصطناعي لعمل فيديو مزيف لجعله يبدو وكأن سانتياغو يسير في غراند فيا بينما في الواقع تم نقله بالفعل إلى المنطقة الصناعية لنزع سلاح قنبلته. تعمل الخطة في البداية عندما تبث جميع القنوات الإخبارية الفيديو المزيف بدلا من ذلك. ومع ذلك، يكتشف زعيم التنظيم الإرهابي الحيلة وأن هناك خطأ ما ويدعو عنصره الإرهابي لتفجير القنبلة، لكن الهاتف صار بيد الأطفال بعد مقتل الإرهابي وسط الشارع.
مع نزع فتيل الحزام الناسف من جسد السائق سانتياغو تدريجيا، يحصل ذعر مفاجئ عندما يقوم طفل بتفجير القنبلة عن طريق الخطأ. وعلى الرغم من تصاعد التوتر، تواصل فرقة المتفجرات عملها الدقيق. غير مدرك لخطورة الموقف، وبعد أن أصبح هاتف التفجير بيد أحد الأطفال بعد عثوره عليه في الشارع، يخفي الطفل الهاتف تحت طاولته. وحين تكتشف والدته ذلك لاحقا، تقوم بتشغيل مكالمة إلى إحدى جهات الاتصال المدرجة على الجهاز. ينطلق رنين الهاتف من القنبلة المتصلة بصدر سانتياغو، مما يغرق الجميع في حالة من الرعب.
في سباق مع الزمن، تمكنت فرقة القنابل من كسر القفل النهائي ونزع سلاح السترة تماما وهي على وشك الانفجار وتنفجر القنبلة، لكن سانتياغو نجا بجروح طفيفة فقط، وذلك بفضل الإجراءات السريعة لفرقة إزالة المتفجرات والقنابل. في أعقاب ذلك، يتخلى الزعيم الإرهابي عن العملية ويختفي.
فيلم إثارة
على الرغم من تعافيه الجسدي يواصل سانتياغو التعامل مع صدمة التجربة. ومع ذلك، فإن الحادث المروع بمثابة حافز للم شمل عائلته الممزقة، واستعادة التقارب الذي كانوا يتقاسمونه قبل فقدان ابنة سانتياغو.
في نهاية فيلم “كل أسماء الله” يقرر سانتياغو زيارة عائلة حمزة لتسليم المسبحة التي أوكلها إليه لإعادتها إلى عائلته لإظهار أن حمزة في النهاية لم يفجر القنبلة. تسلط هذه البادرة الضوء على المشاعر المعقدة التي تلعب دورا هنا، وتلقي الضوء على الأفراد المتضررين من القبضة المريرة للأصولية الدينية.
يختتم الفيلم بملاحظة مؤثرة ويظهر الصراع الداخلي الذي يواجهه أفراد مثل حمزة، الذين يجدون أنفسهم محاصرين في شبكة يبدو الهروب منها مستحيلا. المخرج رسم الشخصيات بشكل جيد، مما يجعل فيلم “كل أسماء الله” فيلما جماعيا لكل شخصية لحظة خاصة بها، والعديد من الفروق الدقيقة.
المخرج الكاتالوني دانيال كالبارسورو لا يتوقف عن العمل ناحتا علامته المميزة للجهاز البصري والصوتي الذي يطوق به أفلامه
يتمتع سانتياغو وعائلته بالمصداقية، سواء في حياتهم اليومية أو في سلوكهم في اللحظات الحرجة. فالانتحاري ليس قاتلا فحسب، بل هو أيضا شاب ممزق بين التعصب والعنف والخوف. وينتهي الفيلم بإشارة واضحة إلى أسماء الله الحسنى الـ99 في الدين الإسلامي، وهو ما يعطي الفيلم عنوانه، وهو بالتأكيد عنوان ملفت للنظر وسهل التذكر، والذي سيجذب انتباه الكثير من المشاهدين بالتأكيد. الممثل لويس توسار كان رائعا في دوره كضحية، بينما يتم وضع العالم بشكل غير متوقع على كتفيه، مما يسمح له على نحو متناقض بمواجهة ألم أكثر حميمية وخفية. باتريشيا فيكو رائعة أيضا في دور لورا، زوجته وشريكته، والتي حتى مع حواراتها القليلة تتيح لنا رؤية بانوراما كاملة من العواطف والمشاعر.
لا يتوقف المخرج الكاتالوني دانيال كالبارسورو عن العمل ولديه علامته المميزة للجهاز البصري والصوتي الرائع الذي يطوق به أفلامه، والتي تكتسب دائما كثافة ملفتة للنظر. بالنسبة إلى المخرج، جميع أسماء الله هي “فيلم إثارة ذو خلفية سياسية واجتماعية حيث تبرز الشخصيات بطريقة قوية وإنسانية، وتظهر جانبها الدرامي وإحساسها بالمسؤولية المثير جدا للاهتمام”.
إنه فيلم إثارة كتبته امرأة، جيما فينتورا، وهذا ليس شائعا جدا، وربما كان السبب في اختيار رئيس فرقة مكافحة الإرهاب امرأة. ويعلق المخرج على ذلك قائلا “وأحد الأشياء التي أحببتها والتي كنت متحمسا لها هو أن هذه الشخصية، بيلار، كان من شبه المؤكد أن يلعبها ممثل وأن تكون شخصية رجل. ثم وجدت أنه من المثير للاهتمام تحوله إلى امرأة. جميعهن يصبحن رجالا عند الأزمات”.
في الختام يقدم “جميع أسماء الله” رحلة سينمائية مثيرة، مازجا ببراعة بين الحركة والتشويق والدراما، مستكشافا مواضيع عميقة مثل عواقب الإرهاب، والكفاح من أجل البقاء، وسعي الإنسان للعثور على المعنى في ظروف صعبة. تصوير المدينة تحت الحصار، إلى جانب القصص الشخصية لشخصياته، يعزز مكانته كإضافة متميزة في نوع الإثارة والحركة.
المصدر / العرب